اختلف المتأولون فيمن المراد بهذه الآية وبالتي قبلها.فقال قوم: الآيتان جميعاً في جميع المؤمنين.وقال آخرون: هما في مؤمني أهل الكتاب.وقال آخرون: الآية الأولى في مؤمني العرب، والثانية في مؤمني أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وفيه نزلت.قال القاضي أبو محمد: فمن جعل الآيتين في صنف واحد فإعراب و{الذين} خفض على العطف، ويصح أن يكون رفعاً على الاستنئاف، أي وهم الذين ومن جعل الآيتين في صنفين، فإعراب الذين رفع على الابتداء، وخبره {أولئك على هدى} ويحتمل أن يكون عطفاً.قوله: {بما أنزل إليك} يعني القرآن {وما أنزل من قبلك} يعني الكتب السالفة. وقرأ أبو حيوة ويزيد بن قطيب. {بما أنزل... وما أنزل} بفتح الهمزة فيهما خاصة. والفعل على هذا يحتمل أن يستند إلى الله تعالى، ويحتمل إلى جبريل، والأول أظهر وألزم. {وبالآخرة} قيل معناه بالدار الآخرة، وقيل بالنشأة الآخرة.و {يوقنون} معناه يعلمون علماً متمكناً في نفوسهم. واليقين أعلى درجات العلم، وهو الذي لا يمكن أن يدخله شك بوجه وقول مالك رحمه الله: فيحلف على يقينه ثم يخرج الأمر على خلاف ذلك تجوّز منه في العبارة على عرف تجوّز العرب، ولم يقصد تحرير الكلام في اليقين.وقوله تعالى: {أولئك} إشارة إلى المذكورين، وأولاء جمع ذا، وهو مبني على الكسرة لأنه ضَعُفَ لإبهامه عن قوة الأسماء، وكان أصل البناء السكون فحرك لالتقاء الساكنين، والكاف للخطاب، والهدى هنا الإرشاد. و{أولئك} الثاني ابتداء، و{المفلحون} خبره، و{هم} فصل، لأنه وقع بين معرفتين ويصح أن يكون {هم} ابتداء، و{المفلحون} خبره، والجملة خبر {أولئك}، والفلاح الظفر بالبغية وإدراك الأمل ومنه قول لبيد: [الرمل].اعقلي إن كنت لمّا تعقلي *** ولقد أفلح من كان عقلْوقد وردت للعرب أشعار فيها الفلاح بمعنى البقاء، كقوله: [الطويل]ونرجو الفلاحَ بَعْدَ عادٍ وحمْيَرِ *** وقول الأضبط: [المنسرح]لِكُلّ همٍّ من الهموم سَعَهْ *** والصُّبْحُ والمسى لا فلاح معهوالبقاء يعمه إدراك الأمل والظفر بالبغية، إذ هو رأس ذلك وملاكه وحكى الخليل الفلاح على المعنيين.